فصل: باب الشروط في الموادعة وغيرها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **


  باب الشروط في الموادعة وغيرها

قال وإذا توادع المسلمون والمشركون ستين معلومة فإنه ينبغي لهم أن يكتبوا بذلك كتاباً لأن هذا عقد يمتد والكتاب في مثله مأمور به شرعاً قال الله - تعالى -‏:‏ ‏{‏إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ‏}‏ البقرة‏:‏ 282 وأدنى درجات موجب الأمر الندب كيف وقد قال في آخر الآية‏:‏ ‏{‏إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا‏}‏ ففي هذا إشارة إلى أن ما يكون ممتداً يكون الجناح في ترك الكتاب فيه ثم الأصل فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه صالح أهل مكة عام الحديبية على أن وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين وأمر بأن يكتب بذلك نسختان إحداهما تكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى عند أهل مكة وكان عليّ - رضي الله عنه - هو الذي يكتب فلما كتب بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو‏:‏ لا ندري ما الرحمن الرحيم‏!‏ اكتب‏:‏ باسمك اللهم ثم كتب هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله قال سهيل بن عمرو‏:‏ لو عرفناك رسول الله ما قاتلناك أو ترغب عن اسم أبيك اكتب محمد بن عبد الله فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً - رضي الله تعالى عنه - أن يمحو ما كتب فأبى علي ذلك حتى محاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال‏:‏ أنا محمد بن عبد الله ورسوله اكتب‏:‏ هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على أهل مكة وأملى عليه الكتاب إلى آخره وأمره بأن يكتب بذلك نسختين فصار هذا أصلاً في هذا الباب ولأن كل واحد من الفريقين يحتاج إلى نسخة تكون في يده حتى إذا نازعه الفريق الآخر في شرط رجع إلى ما في يده واحتج به على الفريق الآخر ثم المقصود به التوثق والاحتياط فينبغي أن يكتب على أحوط الوجوه ويتحرز فيه من طعن كل طاعن إليه وقعت الإشارة في قوله - تعالى -‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ‏}‏ البقرة‏:‏ 282 ومعلوم أن ما علمه الله يكون صوابا مجمعاً عليه فينبغي أن يكتب على وجه لا يكون لأحد فيه طعن ثم بدأ الكتاب فقال‏:‏ هذا ما توادع عليه الخليفة فلان ومن معه من المؤمنين وفلان ومن معه من أهل مملكته وأبو زيد البغدادي قال في شروط‏:‏ الاختيار عندي أن يكتب‏:‏ هذا كتاب فيه ذكر ما توادع عليه ليكون صادقاً حقيقة فإن هذا إشارة إلى البياض والبياض لا يكون ما توادع عليه بل يكون فيه ذكر ما توادع عليه ولكن ما اختاره محمد - رحمه الله - موافق لكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كما روينا وكذلك في غير هذا الباب فإنه حين أمر بكتاب في شراء بعد كان صفته‏:‏ هذا ما اشترى محمد رسول الله من العداء بن خالد بن هوذة وإشارة الكتاب تدل على هذا قال الله - تعالى -‏:‏ ‏{‏هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ‏}‏ ص‏:‏ 3 والمراد الوعد للأبرار والوعيد للفجار ثم لم يقل هذا كتاب فيه ذكر ما توعدون ليوم الحساب ثم قال‏:‏ توادعوا كذا وكذا سنة أولها شهر كذا من سنة كذا وآخرها شهر كذا من سنة كذا وإنما يبدأ بذكر التاريخ لأن موجب العقد الذي يجري حرمة القتال في مدة معلومة فلا بد من أن يكون أول تلك المدة وآخرها موجباً معلوماً وذلك ببيان التاريخ وإنما اختار لفظ الموادعة لأنه لا مسألة ولا مصالحة حقيقة بين المؤمنين والمشركين وإنما يكون بينهم المعاهدة كما قال الله - تعالى -‏:‏ ‏{‏إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ التوبة‏:‏ 1 والموادعة هي المعاهدة ثم ذكر ما بالفريقين حاجة إلى ذكره في الكتاب إلى أن قال‏:‏ وجعل كل فريق منهم لصاحبه بالوفاء بجميع ما في هذا الكتاب عهد الله - تعالى - وميثاقه وذمة الله وذمة رسوله وذمة المسيح عيسى بن مريم وهذا اللفظ يذكره في كل كتاب في هذا الباب لأنه إنما بني عليه على ما كان حال الخليفة في وقته وإنما كانوا يقاتلون الروم في ذلك الوقت وأعظم الألفاظ في باب التزام العهد عندهم هذا فلهذا ذكره فإن قيل‏:‏ كيف جوز كتابة هذا اللفظ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ وإن أرادوكم أن تعطوهم ذمة الله وذمة رسوله فلا تعطوهم ولكن أعطوهم ذممكم وذمم آبائكم فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم آبائكم كان أهون قلنا‏:‏ ليس مراد محمد رحمه الله من اللفظ المذكور إعطاء ذمة الله وذمة الرسول فذلك منهي عنه كما ورد في الحديث ولكن المراد بهذا اللفظ تأكيد الموادعة بالقسم بعبارات مختلفة ألا ترى أنه قال‏:‏ وأشد ما أخذ الله على النبيين والصديقين والصالحين من عهد أو ذمة أو ميثاق فالمراد مما وقعت الإشارة إليه في قوله‏:‏ ‏{‏وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ‏}‏ آل عمران‏:‏ 187 وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ‏}‏ آل عمران‏:‏ 81 والمراد الإلزام على أبلغ الوجوه فهذا مثله ألا ترى‏:‏ أنه ذكر بعد هذا بيان وجوه الغدر فجميع هذه الإيمان عليه الله عليه بها راع كفيل والذمة منه بريئة فبهذا تبين أن مراده مما سبق ذكر القسم ثم ختم الكتاب بذكر التاريخ وقد تبيّن التاريخ في أول الكتاب وذلك كاف إلا أنه أعاده في آخر الكتاب للتأكيد فليس المقصود إلا حرمة القتال في مدة معلومة وابتداؤها من وقت تمام الكتاب والأشهاد فلو اكتفى بما ذكره في أول الكتاب ربما يدعي أحد الفريقين مضي مدة بين أول الكتاب وآخره يعارض وقد يكون ذلك فلهذا ختم الكتاب بذكر التاريخ أيضاُ والأصل في التاريخ ما روي أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - كتب إلى عماله إذا كتبتم إليّ فاذكروا التاريخ في الكتاب ثم جمع الصحابة - رضوان الله عليهم - وشاورهم في ابتداء مدة التاريخ فقال بعضهم‏:‏ يجعل التاريخ من وقت مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنه كره ذلك لما فيه من بعض التشبه بالنصارى وقال بعضهم يجعل التاريخ من حين قبض رسول الله عليه وسلم فكأنه كره ذلك لما فيه من معنى المصيبة للمسلمين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنكم لن تصابوا بمثلي فاتفقوا على أن جعلوا التاريخ من وقت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ظهور أعلام الدين كالجمع والأعياد وأمن المسلمين من أذى المشركين إنما كان من ذلك الوقت فجعلوا التاريخ من وقت الهجرة لهذا فإن أراد المسلمون أن يوادعوهم على ألا يردوا عليهم من خرج مسلما كتب الله ذلك عقيب ذكر الكف عن القتال وعلى أن من خرج من أهل مملكة فلان إلى دار الإسلام من رجل أو امرأة مسلماً أو معاهداً لم يكن على الخليفة ولا على أهل الإسلام رده على فلان وهذا حكم ثابت شرعاً من غير شرط ولكن القوم ينكرون هذا الحكم فبدون هذا الشرط يعدونه غدراً بناء على اعتقادهم وقد بيّنا أنه ينبغي أن يكتب الكتاب على وجه يكون حجة على الخصمين ولا يطعن فيه أحد من الطاعنين‏.‏

وبعد ذكر هذا الشرط إن خرجت امرأة ذات زوج فأراد زوجها ردها لم يكن له ذلك وهذا منصوص عليه في قوله - تعالى -‏:‏ ‏{‏فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ‏}‏ الممتحنة‏:‏ 10 لا أن الرد كان مشروطاً في الصلح الذي جرى عام الحديبية فلما انتسخ ذلك الحكم بنزول الآية أمر الله - تعالى - برد ما أعطاها الزوج كما قال الله - تعالى ‏{‏وَآتُوهُم

مَّا أَنفَقُوا‏}‏ الممتحنة‏:‏ 10 للوفاء بسم الله الرحمن الرحيم ذلك الشرط فأما المشروط الآن لا يرد فلا يجب أيضاً رد شيء مما آتاها وإن لم يكن هذا مشروطاً أيضاً لا يجب رد شيء لأن هذا الحكم قد انتسخ بدليل الإجماع وإن خرج منهم عبد مسلم أو أمة مسلمة إلى دار الإسلام لم يعتق لأن الموادعين بمنزلة المستأمنين يجب مراعاة حرمة مالهم ألا ترى أن المسلمين لو استولوا على أموالهم لا يملكونها فكذلك المراغم منها لا يعتق ولكن يباع ويدفع ثمنه إلى مولاه بمنزلة المستأمن في دارنا إن أسلم عبده وقال‏:‏ على أن من خرج من المسلمين أو من أهل ذمتهم إلى فلان الملك تاركاً لدين الإسلام أو لذمة المسلمين فعلى فلان وأهل مملكته رده على المسلمين حتى يرده إلى ما كان عليه وهذا شرط لا ينبغي أن يترك ذكره في الكتاب لأنه إذا أخرج إلينا منهم مسلم أو ذمي لا يجوز لنا أ نرده عليهم فالظاهر أنهم يطالبوننا بالمناصفة ويقولون‏:‏ كما لا تردون أنتم فنحن لا نرد وبعد ذكر هذا الشرط تنقطع هذه المحاجة‏.‏

فإذا امتنعوا من الرد كان ذلك نقضاً منهم للعهد ويحل للمسلمين القتال معهم من غير نبذ ثم ذكر وثيقة الموادعة بعوض وهو على قياس ما تقدم وإنما زاد فيها ذكر البدل والحاصل فيه أنه ينبغي له أن يعلم البدل على وجه لا يبقى فيه منازعة في الثاني وذلك بأن يكتب على أن يؤدي فلان الملك وأهل مملكته إلى فلان الخليفة في كل سنة خراجاً معلوماً كذا وكذا ديناراً شامية ثقالاً وكذا وكذا رأساً جياداً ومن النساء البوالغ كذا ومن الرجال كذا ومن الوصائف اللاتي لم يبلغن كذا ومن الوصفاء الذين لم يبلغوا كذا على أن يكون ذلك من ثياب البزيون في كل سنة كذا ثوباً جياداً جدداً طول كل ثوب منها كذا ذراعاً وعرض كل ثوب كذا ومنها كذا ثوب أحمر ومنها كذا أبيض ومنها كذا أصفر وعلى أن يؤدوا في كل سنة كذا برذوناً جياداً فرهة من الجذاع كذا ومن الشباب كذا وهذا لأن المال إنما يلتزمونه ها هنا عوضاً عما ليس بمال ومثله مبني على التوسع فلهذا اكتفي فيه ببيان الجنس والنوع ومن الأوصاف ما يمكن إعلامه من غير حرج فإن كان المال مؤجلاً منجماً فينبغي أن يبيّن في الكتاب عدد النجوم ومدة الأجل على ما هو الرسم في باب المدانيات ثم بين وثيقة الموادعة للرسل إذا أرادوا أن يدخلوا دار الإسلام والحاصل فيه أن الرسل آمنون وإن لم يستأمنوا بيانه فيما روي أن رسول قوم تكلم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يكن له أن يتكلم به فقال‏:‏ لولا أنك رسول لأمرت بقتلك وما زال الرسل آمنين حتى يبلغوا الرسالة في الجاهلية والإسلام لأن ما هو المقصود الفريقين من الصلح والقتال لا يتم إلا بالرسل وما لم يكونوا آمنين لا يتمكنون من أداء الرسالة على وجهها فكانوا آمنين من غير شرط ولكن إن شرط لهم ذلك وكتب به وثيقة فهو أحوط فإن كان مع الرسل أسراء جاءوا بهم للمفاداة فشرطوا على المسلمين أن يردوهم إن لم تتفق المفاداة فهذا مما لا ينبغي للمسلمين أن يصالحوهم عليه وأن يكتبوا به وثيقة لأنهم ظالمون في حبس أحرار المسلمين ولا وجه لردهم إلى أهل الحرب بعد تمكننا من الانتزاع من أيديهم وما يتعذر الوفاء به شرعاً لا يجوز إعطاء العهد عليه فإن فعلوا ذلك فلينقضوا هذا العهد وليأخذوا منهم الأسراء على كل حال سواء احتاجوا إلى قتال على ذلك أو لم يحتاجوا لأن هذا شرط مخالف لحكم الشرع وقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وقال‏:‏ ردوا الجهالات إلى السنة إلا أن الأسراء إن كان كانوا عبيداً فينبغي للمسلمين أن يبيعوهم ويردوا عليهم أثمانهم لأنهم ملكوهم بالإحراز وقد استفادوا الأمان بهذا الشرط في ماليتهم فيجب مراعاته بحسب الإمكان وذلك في رد المالية عليهم بطريق البيع لما تعذر رد العين عليهم فإن وجد المسلمون رجلاً من أهل الحرب في بلاد المسلمين فقال‏:‏ أنا رسول الملك دخلت بغير أمان فإن كان معروفاً بالرسالة أو أخرج كتاب الملك معه إلى الخليفة فهو آمن لأن ما لا يمكن الوقوف فيه على الحقيقة يجب العمل فيه بغالب الرأي والذي يسبق إلى وهم كل واحد في هذه الحالة أنه رسول وتحكيم العلامة في مثل هذا أصل قال الله - تعالى ‏{‏وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ

لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً‏}‏ التوبة‏:‏ 46 وقال الله - تعالى - ‏{‏تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ‏}‏ البقرة‏:‏ 273 فإن لم يكن معه دليل على أنه رسول فهو فيء وقد بينا الخلاف في الحربي إذا دخل دارنا بغير أمان فهذا قد ثبت فيه حق المسلمين أو حق الأخذ وهو بما يدعي يريد إبطال الحق الثابت فيه من غير حجة فلا يتمكن منه فإن كان معروفاً بالرسالة فمر على عاشر المسلمين فإنه يأخذ منه العشر بمنزلة النفير من المستأمنين والحاصل أن الأخذ منهم بطريق المجازاة على ما روي أن عمر - رضي الله عنه - لما أمر العشار بأخذ ربع العشر من تجار المسلمين ونصف العشر من تجار أهل الذمة قال‏:‏ كم يأخذ أهل الحرب من تجارنا قالوا‏:‏ العشر قال‏:‏ فخذوا منهم العشر وإن لم يعلم كم يأخذون من تجارنا فنحن نأخذ منهم العشر أيضاً لأن المستأمنين من أهل الذمة بمنزلة أهل الذمة من المسلمين فكما أنه يؤخذ من أهل الذمة ضعف ما يؤخذ من المسلمين فكذلك يؤخذ من المستأمن ضعف ما يؤخذ من أهل الذمة فإن كانوا لا يأخذون من تجارنا شيئاً لم نأخذ من تجارهم أيضاً شيئاً لأن الأخذ بطري المجازاة فإن شرطوا في أمان الرسل ألا يأخذ عاشر المسلمين منهم شيئاً فإن كانوا يعاملون رسلنا بمثل هذا فينبغي للمسلمين أن يشترطوا لهم ويوفوا به لأن هذا شرط موافق لحكم الشرع فيجب الوفاء به لرسلنا مثل هذا وإن كانوا يشترطون يفون به فينبغي لنا ألا نقبل هذا الشرط لرسلهم فإن قبلناه فينبغي لنا أن نيفي لهم بذلك لأنه لا رخصة في غدر الأمان وما يفعلونه برسلنا بعد الشرط غدر منهم وبغدرهم لا يباح لنا أن نعذرهم بمنزلة ما لو قتلوا رهننا فإنه لا يحل لنا أن نقتل رهنهم وقد قررنا هذا فإن حاصر المسلمون أهل الحصن فطلبوا الأمان على أن يكون للمسلمين الثلث مما في الحصن ولهم الثلثان سوى بني آدم فهذا جائز لأن إعطاء الأمان على بدل مسمى معلوم جائز فكذلك على جزء شائع من مال معلوم ببيان محله وهو ما في الحصن وما يحرز فإذا فتحوا الحصن على ذلك صار الثلث مما فيها مشاعاً للمسلمين فنبغي للإمام أن يقسم ما في الحصن بين المسلمين وبينهم فيجزىء ذلك ثلاثة أجزاء والحاصل فيه أن القسمة تبتني على التسوية قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ خير أمراء السرايا زيد بن حارثة أقسمه بالسوية وأعدله في الرعية فيعتبر فيها المعادلة في المنفعة والمالية فإن أمكن تحصيل ذلك بقسمة العين فهو الأصل فيها فإن تعذر ذلك بأن كان شيئاً لا يمكن قسمته إما لقلته أو لاختلافه فينبغي أن يقوم قيمة عدل ثم يقول الإمام لأهل الحصن‏:‏ إن شئتم فخذوه وأعطونا ثلث قيمته دنانير أو دراهم وإن شئتم أخذنا ذلك وأعطيناكم ثلثي قيمته والأصل فيه ما روي أن عبد الله بن رواحة كان يخرص النخيل بخيبر بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كان يقول لليهود‏:‏ إن شئتم أخركم ولنا عندكم الشطر وإن شئتم أخذنا ولكم عندنا الشطر فقالوا‏:‏ بهذا قامت السماوات والأرض أي بالعدل فعرفنا أن القسمة بهذه الصفة قسمة بالعدل ثم بعد قسمة العين ينبغي للإمام أن يسهم على الأجزاء هكذا كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم وكان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فصار هذا أصلاً أن في كل ما يجوز فعله بغير إقراع فالأولى للإمام أن يقرع تطييباً للقلوب ونقياً لتهمة الميل عن نفسه وإن اعتبر المعادلة بين الأعيان بالتقويم فذلك حسن أيضاً وهو أن يكون من جانب برذون ومن جانب لؤلؤة فيجعل مع البرذون من المتاع ما يساوي اللؤلؤة أو مع اللؤلؤة من المتاع ما يساوي البرذون إن كان أفضل فيستوي الأجزاء الثلاثة بهذه الصفة ثم يقرع بينهما فالجز الذي يخرج بالقرعة للمسلمين يأخذه ويسلم لهم ما بقي وإن شرط لأحد الفريقين على الآخر دارهم أو دنانير بقدر ما يحصل به المعادلة فذلك جائز بتراضي الفريقين فأما بدون التراضي لا ينبغي له أن يفعل ذلك إلا عند تعذر قسمة العين‏.‏

لأن في هذه القسمة معنى البيع والتراضي معتبر في البيع وإن كانوا شرطوا في الصلح للمسلمين يثلث ما في الحصن لم يدخل في ذلك المنازل والدور لأن ما في الحصن غير الحصن والمنازل والدور من الحصن لا مما في الحصن أنفسهم وذراريهم وقد يتناولهم الأمان فلا يكون لنا أن نتملك من رقابهم الثلث بعد ما تناولهم الأمان ولأن صفة الرق والحرية لا تجتمع في شخص واحد لما بين الصفتين من التضاد ولكن إن أرادوا الصلح على سلب السبي مما في الحصن فليصالحوا على ذلك مقسوماً وذلك بأن يعزل الثلث منهم قبل الأمان ثم يقولوا‏:‏ نصالحكم على هؤلاء وعلى ثلث ما في الحصن سوى السبي فيجوز حينئذ لأن الأمان لا يتناول السبي لما جعلوا بدلاً في الصلح وإن صولحوا على ثلث ما في الحصن من أرقائهم دون أحرارهم فهو جائز بمنزلة سائر الأموال سوى السبي وإن صولحوا على مائة رأس منهم فإن كانوا يعطون المائة الرأس من أرقائهم فذلك جائز وإن كانوا يعطون ذلك من أنفسهم وذراريهم فهذا لا يجوز لأنهم صاروا آمنين بالصلح وبالأمان تتأكد حريتهم على وجه لا يحتمل الإبطال ولا وجه لتملكهم بعد هذا بالأخذ على وجه بدل الصلح فإن وقع الصلح على الثلث من السبي ودخل المسلمون الحصن على ذلك فليس ينبغي لهم أن يأخذوا منهم شيئاً لأن الأمان يتناول بعض كل واحد منهم والأمان لا يحتمل الوصف بالتحري في شخص واحد فإذا ثبت في البعض ثبت في الكل فلما تعذر عليهم الوفاء بالشرط وجب على المسلمين أن يخرجوا عنهم حتى يعودوا إلى منعتهم في حصنهم ثم ينبذوا إليهم لأنهم صاروا في أمان من المسلمين فلا يجوز قتلهم لا استرقاقهم قبل النبذ ولا يتحقق النبذ إلا بعد إعادتهم إلى ما كانوا عليه من العز والمنعة وكل هذا للتحرز عن الغدر وإن وقع الصلح على ثلث ما في الحصن من السبي وغيره من قليل أو كثير فإن رضي المسلمون بألا يعرضوا للسبي ويأخذوا الثلث من سائر الأموال فذلك جائز لأن هذه القسمة تجمع ما يصلح أو يكون بدلاً وما لا يصلح والحكم في مثله ثبوت ما يصلح أن يكون بدلاً دون ما لا يصلح فإن قالوا‏:‏ لا نرضى بهذا فلهم ذلك ولكن لا يحل لهم أن يردوا شيئاً مما في الحصن من أو سبي بل يخرجوا عنهم حتى يعودوا إلى منعتهم كما كانوا ثم ينبذ إليهم وإن قالوا‏:‏ نأخذ الثلث سوى السبي ثم نبذ إليهم لم يكن لهم ذلك لأنهم إذا أخذوا المال تقرر به أمانيهم فلا يجوز النبذ إليهم بدون رد المال وقد تقدم نظائره ثم بين أنه كيف يكتب الوثيقة في ذلك فالحاصل أن الوثيقة إنما تكتب للاحتياط فينبغي أن يكتب على أحوط الوجوه وهي حكاية ما جرى فينبغي للكاتب أن يكتب ويبين ما جرى بين الفريقين على أبلغ الوجوه وبعد هذا الصلح إنما يسلم لهم حصتهم من الأموال التي هي في الحصن لم يحرزها المسلمون بالعسكر فأما ما أحرزوه قبل هذا فهو سالم للمسلمين لأن ذلك ليس من جملة ما في الحصن حين وقع الصلح وإن وقع الاختلاف بين المسلمين والمشركين في شيء من الرقيق فقال أهل الحصن‏:‏ هؤلاء أحرار من نسائنا وذرارينا قد تناولهم الاستثناء وقال المسلمون‏:‏ هؤلاء من أحرار من نسائنا وذرارينا قد تناولهم الاستثناء وقال المسلمون‏:‏ هؤلاء من أرقائكم فلنا منهم الثلث فالقول في ذلك قول المشركين لأنهم يتمسكون بالأصل والأصل في الناس الحرية ولأن اليد لهم فيما في حصنهم فالظاهر أنهم أعرف بحال ما في الحصن فإن أقام المسلمون بينة على رق أولئك من المسلمين أو من أهل الذمة أو من أهل الحرب فالثابت بالبينة كالثابت باتفاق الخصوم وهذه البينة تقوم عليهم فلهذا قبل شهادة أهل الحرب في ذلك فإن شهد الشهود بأنهم أرقاء لهذا الرجل بعينه فقال ذلك الرجل‏:‏ ليسوا بأرقائي ولكنهم أحرار فقد عتقوا بقوله لأن الثلثين من كل واحد منهم مملوك له بزعم المسلمين فينفذ إقراره فيهم بالحرية ثم لا ضمان عليه للمسلمين ولا سعاية عليهم أيضاً لأن الثلث من كل واحد منهم فيء غير محرز بدار الإسلام والغنيمة قبل الأحراز لا تضمن بالاستهلاك كائناً من كان المستهلك لها وكذلك لو قال المشهود عليه‏:‏ هم أرقائي وقد أعتقتهم إلا أن للمسلمين الخيار إن شاءوا رضوا بأخذ الثلث مما سوى هؤلاء وإتمام الصلح وإن شاءوا أبوا ذلك وخرجوا عنهم ثم ينبذون إليهم لأنهم لم يسلم لهم جميع المشروط فإن أرادوا الرد فقال أهل الحصن‏:‏ نحن نعطيكم قيمة ذلك الثلث فينبغي للمسلمين أن يفوا لهم بصلحهم لأن القيمة خلف عن العين وتسليمها عند تعذر رد العين كتسليم العين عند التمكن منه وما يخص المسلمين من رقيق أهل الحصن من الرجال إذا أراد الأمير قتله لم يكن له ذلك بخلاف الأسراء من أهل الحرب فإنه للإمام أن يقتلهم لأن أولئك لم يجر فيهم القسمة وهؤلاء قد جرى فيهم القسمة بين المسلمين وأهل الحصن ولأنهم إنما يأخذون هؤلاء بطريق الصلح فبنفس الوصول إلى المسلمين وأهل الحصن ولأنهم إنما يأخذون هؤلاء بطريق الصلح فبنفس الوصول إلى المسلمين يستفيدون الأمن من القتل بمنزلة ما لو باع الإمام السبي في دار الحرب وإن طلب أهل الحصن الصلح على شيء معلوم على أن يخليهم من الحصن حتى يبلغوا أمنهم فذلك جائز لأن للإمام أن يفعل هذا بهم من غير عوض ينتفع به المسلمون فمع العوض أولى ثم بين أنه كيف يكتب وثيقة هذه الموادعة وهو قياس ما مسبق إنما يحتاج في هذه الوثيقة إلى كتابة هذا الشرط خاصة وكذلك في كل وثيقة فيها مقصود فلا بد من بيان ذلك المقصود قال‏:‏ وينبغي للكاتب أن يكتب ابتداء على أشد ما يكون من الأشياء يعني على أحوط الوجوه فإن كره المسلمون من ذلك شيئاً ألقوه من الكتاب لأن إلقاء ما يريدون إلقاءه أهون عليهم من زيادة ما يريدون زيادته ولعل أهل الحرب لا يقبلون إلا الأشد فلهذا يكتب في الابتداء بهذه الصفة فإن قبلوا اليسير منه ألقى المسلمون منه ما أحبوا قال‏:‏ وأكره للمسلمين أن يعطوا المشركين ذمة الله - تعالى - وذمة رسوله للحديث المعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ فإن أرادوكم أن تعطوهم ذمة الله وذمة رسوله فلا تعطوهم ذلك ولكن أعطوهم ذممكم وذمم آبائكم فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم آبائكم أهون من أن تخفروا ذمة الله - تعالى - وذمة رسوله إلا أن بآخر الحديث تبين أن بآخر الحديث تبين أن النهي ليس لحرمة هذه الشرط شرعاً بل لأنه ربما يتعذر عليهم الوفاء به فكأنه بمنزلة النهي عن اليمين على أمر في المستقبل كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُم‏}‏ْ البقرة‏:‏ 224 وذلك ليس بحرام بل النهي رسوله فينبغي أن يعطيهم ذلك عند الحاجة ثم يفي لهم بذلك وإن دعت الضرورة إلى النقض لم يكن به بأس أيضاً بمنزلة اليمين على ما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه وإن قال أهل الحصن‏:‏ تؤمنون منا كذا وكذا إنساناً بما لهم من الأموال والأمتعة يختارهم البطريق فذلك جائز لأن عقد الأمان مبني على التوسع وفيما يبنى على الضيق يجوز شرط الخيار لإنسان بعينه باعتبار الحاجة إلى ذلك كالبيع ففيما هو مبني على التوسع أولى ثم بين وثيقة هذه الموادعة كيف تكتب فقال فيما بيّن على أن القول في ذلك قول فلان البطريق فإن اتهمه المسلمون على شيء من ذلك استحلفوه بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من والعلانية يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور الذي أنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام وجعله بشيراً ونذيراً وجعله وأمه آية للعالمين أن الأمر على ما قال وأنه لم يزدد شيئاً ولم يأخذ لنفسه شيئاً سوى المشروط أما الاستحلاف فلأنه متهم فيا يعين والمتهم وإن لم يكن أميناً شرعاً فالقول قوله مع اليمين فكذلك إذا صار أميناً شرعاً ثم المقصود بالاستحلاف النكول وإنما يحصل هذا المقصود إذا غلظ عليه اليمين ولا وجه للتغليط بالاستحلاف بغير الله - تعالى - فينبغي أن يغلظ في الاستحلاف بالله على الوجه الذي ذكره ويكتب ذلك في الوثيقة حتى لا ينسب المسلمون إلى الغدر إذا عرضوا عليه اليمين بهذه الصفة فإن فتحوا الحصن على هذا ثم قال البطريق‏:‏ أنا لا أختار أحداً منهم أولا أوثر بعضهم على بعض في ذلك أو مات البطريق أو هرب قبل أن يختار منهم أحداً فعلى المسلمين أن يخرجوا عنهم ثم ينبذوا إليهم لأن الأمان تناول بعضهم بيقين ولا يعرفون بأعيانهم والأصل أنه متى اختلط المستأمن بغير المستأمن لم يحل التعرض لأحد منهم لاجتماع معنى الحظر والإباحة في كل واحد منهم وعند الاجتماع يغلب الحظر وإن حضر البطريق فإن اختار من المتاع شيئاً كثيراً فالقول فيه قوله مع يمينه إن اتهمه المسلمون وصفة اليمين كما شرط عليه بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ الشرط أملك ثم إن وقع الصلح على أن الذين تناولهم الأمان ممن يعينهم البطريق مع أموالهم فالمال إسم لكل متمول مبتذل يتملك وذلك ما يدخر لوقت الحاجة إليه إلا أن يكون الشرط المال المعين وهذا يكون على جنس النقود المضروب والمصوغ في ذلك سواء إلا ما يكون الشرط المال المعين وهذا يكون على جنس النقود المضروب والمصوغ في ذلك سواء إلا ما يكون مموهاً بالذهب أو الفضة فإن التمويه لون الذهب والفضة لا عينهما وهو مستهلك لا يتخلص ولهذا لا يثبت باعتباره حكم الربا ولا تجب الزكاة فيه وكذلك إن شرطوا المال الصامت فهو واشتراط المال العين سواء وهذا بخلاف حكم الزكاة والصدقة فاسم المال عند ذكر الصدقة لا يتناول إلا مال الزكاة يعني إذا قال مالي صدقة وذلك استحسان أخذنا به للتنصيص على إيجاب الصدقة ولا يوجد مثله في الأمان فيؤخذ فيه بالقياس بمنزلة الوصية بثلث المال فإنه يدخل فيه كل متمول صفته ما ذكرنا قال‏:‏ وإن كانوا اشترطوا المتاع والمتاع ما يستمتع به مع بقاء عينه من الثياب والأواني فلهذا لا يدخل في المتاع المكيل والموزون لأن الانتفاع به يكون بعد استهلاك العين فلا يكون المتاع إلا أواني الذهب والفضة والسرير من الذهب والفضة من جملة المتاع للمعنى الذي ذكرنا فأما الجواهر واللآلىء فليس بمتاع لأن هذا يتناوله اسم الحلي والحلي غير المتاع وكذلك ما يكون من الأسلحة فهو من المتاع لأنه يستمتع به مع بقاء العين وليس له اسم أخص من اسم المتاع فإن اسم السلاح ليس باسم العين ولكن التسمية به باعتبار صفة الاستعمال والخاتم ليس من المتاع لأنه من جملة الحلي فإن قيل‏:‏ أليس أنه قال في الجامع الصغير خاتم الفضة ليس من الحلي قلنا‏:‏ مراده في حكم الاستعمال أنه يحل للذكور لبسه فأما في الحقيقة يتناوله اسم الحلي كما يتناول خاتم الذهب واسم الحلي اسم العين وهو أخص من اسم المتاع وكل ما يتناوله هذا الاسم لا يكون داخلاً في اسم المتاع وإن كانوا شرطوا السلاح فالسلاح كل ما يقاتل به السيف والبيضة والدرع والترس والقوس والنشاب وما أشبه ذلك مما يكون الغالب عليه أنه يستعمل استعمال السلاح فأما السكين فهو من المتاع لا من السلاح لأن الغالب عليه أنه يستمتع به في الحوائج سوى القتال فأما الخنجر والنيزك فهو من السلاح لأنه لا يستعمل غالباً إلا في القتال والجباب والأقبية المحشوة وأقبية اللبود من المتاع لا من السلاح إلا أن يكون على وجه لا يستعمل إلا في الحرب في حينئذ يكون من السلاح بمنزلة الخفتانات وكذلك أقبية الديباج والحرير من المتاع لا من السلاح إلا أن يكون بحيث لا يلبس إلا في الحرب والأعلام والطرادات والجواش من السلاح والحاصل أنه يعتبر في كل موضع عرف أهل ذلك الموضع فيما يطلقون عليه من الاسم أصله ما روي أن رجلاً سأل ابن عمر - رضي الله عنهما - قال‏:‏ إن صاحباً لنا أوجب بدنة أفتجزئه البقرة فقال‏:‏ مم صاحبكم فقال‏:‏ من بني رباح فقال‏:‏ ومتى اقتنت بنو رباح البقرة إنما وهم صاحبكم الإبل فإن اشترطوا الكراع مع السلاح فالكراع اسم الخيل والبغال والحمير فأما الإبل والبقر والغنم فليس من الكراع لأن الاسم لها الأنعام وقال - عز وجل -‏:‏ ‏{‏وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ‏}‏ النحل‏:‏ 16 والفقه فيه أن الكراع ما يكون لمنفعة الركوب خاصة وذلك الخيل والبغال والحمير قال الله - تعالى -‏:‏ ‏{‏لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً‏}‏ فأما الأبل والبقر والغنم فقد تكون للركوب والحمل عليها وقد تكون للأكل قال الله - تعالى -‏:‏ ‏{‏وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ‏}‏ فإن اشترطوا السلاح والخيل فاسم الخيل يتناول العراب والبراذين والإناث والذكور ولا يدخل فيه البغال والحمير قال الله - تعالى -‏:‏ ‏{‏وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ‏}‏الأنفال‏:‏ 60 وقد بينا أنه يسهم للعراب والبراذين في الغنيمة دون البغال والحمير استدلالاً بهذه الآية وإن اشترطوا الماشية لم يدخل في ذلك الخيل والبغال والحمير لأن اسم الماشية غير اسم القراع فإنما يتناول اسم الماشية ما لا يتناوله اسم الكراع من الإبل والبقر والغنم لأنها تسام غالباً وأصحاب السوائم يقال لهم أصحاب المواشي وإن اشترطوا السلاح فكان في بعض السلاح فضة أو ذهب أو جوهر فذلك تبع للسلاح فالتبع يستحق باستحقاق الأصل فأما السروج واللجم فهي من المتاع لا من السلاح لأنه يستمتع بها مع بقاء العين في غير الحرب عادة وكذلك الأكف والجلال وأما التجافيف فهي من جملة الأسلحة لا تستعمل إلا في حالة الحرب ولو صالحوا على أن يكون للمسلمين الصفراء والبيضاء والحلقة فاسم الصفراء والبيضاء يتناول الذهب والفضة التبر والمصوغ والمضروب في ذلك سواء بمنزلة اسم المال العين والصامت فإن كان مصوغاً قد ركب فيه جوهر فليس للمسلمين ذلك الجوهر لأن اسم الصفراء والبيضاء لا يتناوله واستحقاقهم باعتبار هذا الاسم وإن كان قدحاً مضبباً بالذهب والفضة فللمسلمين ما فيه الذهب والفضة لأن ذلك من الصفراء والبيضاء وليس لهم أصل القدح فإن كان نزع ذلك لا يضر بالقدح نزع وإن كان يضر بالقدح فالخيار لهم إن شاءوا رضوا بالنزع وإن شاءوا أعطوا المسلمين قيمة الذهب مصوغاً من الدراهم وقيمة الفضة مصوغة من الدنانير لأن الأصل لهم وخيار التملك عند الحاجة إلى دفع الضرر يثبت لصاحب الأصل إلا عند الحادة إلى التقويم يقوّم بخلاف الجنس لأنه لا قيمة للصنعة والجودة من الذهب والفضة عند المقابلة بالجنس فأما الحلقة فهي اسم للسلاح وقد بينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح بني النضير على أن يجليهم ولهم ما حملت الإبل سوى الحلقة ثم أخذ الأسلحة منهم بهذا الاستثناء‏.‏

وإن صالحوا على أن يترك لهم المسلمون متاع بيوتهم فهذا على الفراش والوسائد والسطور وغير ذلك مما يبتذل في البيوت من الأمتعة فأما ما كان من ثياب غير مقطعة فلا شيء لهم من ذلك لأن متاع البيت اسم خاص لما هو مبتذل في البيوت استعمالاً وذلك لا يوجد في الثياب التي هي غير مقطعة وملبوس بني آدم من الرجال والنساء ليس من متاع البيت في شيء وإن كان الصلح على أن يكون للمسلمين الثياب فذلك اسم لم بلوس بني آدم مما يكون من الكتان والقطن والصوف والقز والحرير ألا ترى‏:‏ أن بائع هذا كله يسمى ثوباً فأما الستور والأنماط والحجال فهو من متاع البيت دون الثياب لأنها لا يلبسها الناس عادة وإنما يستمتعون بها في البيوت قال‏:‏ والبز والثياب المتخذة من الكتان والقطن خاصة وهذا بناءً على عادتهم بالكوفة فإن البزار فيهم من يبيع هذين النوعين خاصة فأما بائع الخز والمرعزي والصوف وغير ذلك لا يسمى بزازاً فأما في ديارنا فاسم البز يتناول الثياب المتخذة المدينة من الإبريسم لأن بائع ذلك يسمى بزازاً فينا وإليه أشار بقوله‏:‏ إلا أن يكون من أهل بلاد البز عندهم الصوف أو غيره فيكون الصلح على ما هو عندهم وهذا الأصل الذي قلنا إنه يعتبر في كل موضع ما يتعارفه من أهل ذلك الموضع فإن شرط المحصورون في الموادعة الأمان للمقاتلة منهم لم يسلم لهم شيء من أموالهم ولا من ذراريهم ولا من نسائهم لأن المحصور مقهور فمقصوده من هذا الشرط تحصيل النجاة لنفسه وفي مثله لا يتبعه شيء من ماله إلا ثياب بدنه والطعام الذي يأكله في إحلال فإن ذلك يسلم له استحساناً لأنه لا يتحقق النجاة له إلا بهذا ثم المقاتلة كل من مبلغ مبلغ الرجال والبلوغ قد يكون بالعلامة كالاحتلام والإحبال وقد يكون بالسن وفيه خلاف معروف فعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله - تعالى -‏:‏ التقدير فيه بخمس عشرة سنة بحديث عبد الله بن عمر - رضيّ الله عنهما - على ما رواه في الكتاب وهو معروف فإذا علم أنه لم يحتلم وهو ابن أقل من خمس عشرة سنة فهو من الذرية دون المقاتلة قاتل أو لم يقاتل وكذلك النساء لأن المقاتلة من له بنية صالحة للقتال إذا أراد القتال وليس للنساء والصغار بنية صالحة للقتال فلا يكونون من المقاتلة وإن باشروا قتالاً بخلاف العادة ألا ترى أن من لا يقاتل من الرجال البالغين فهو من جملة المقاتلة باعتبار أن له بنية صالحة للقتال وإن كان لا يباشر القتال لمعنى وذوو الأعذار من العميان والزمنى ومقطوعي الأيدي والأرجل إن كانوا يباشرون القتال فهم من جملة المقاتلة وإن كانوا لا يباشرون ذلك فليسوا من المقاتلة لأنه كانت لهم بنية صالحة للقتال وإنما خرجوا عن ذلك بحلول الآفة فإن لم تعجزهم الآفة عن القتال كانوا مقاتلة باعتبار الأصل والمريض والمغمى عليه من جملة المقاتلة لأن له بنية صالحة للقتال وما حل عارض على شرف الزوال فلا يخرج به من أن يكون من المقاتلة وإن كان لا يقاتل في الحال بخلاف العميان فإن ما حل بهم ليس على شرف الزوال فإذا أعجزهم عن القتال خرجوا من أن يكونوا من جملة المقاتلة ومن كان في الحصن من الرجال الزارعين الذين لم يقاتلوا قط فهم من جملة المقاتلة لأن لهم بنية صالحة للقتال فإن قيل‏:‏ فقد ذكرتم قبل هذا أن هؤلاء بمنزلة العسفاء لا يقتلون قلنا‏:‏ قد بينا أن هناك لا يستحب قتلهم إذا كان يعلم أنه لا يهمهم أمر الحرب أصلاً ولكن مع هذا يجور قتلهم لكونهم من المقاتلة وتأويل هذا في قوم من الزاعين يكثرون سواد المقاتلين ولهذا كانوا معهم في الحصن فلهذا جعلهم من المقاتلة والشيخ الكبير الذي لا يطيق القتال ولا رأي له في الحرب فهو ليس من المقاتلة ولهذا لا يجوز قتله بمنزلة الأعمى والمقعد فإن كان أحد من هؤلاء رأس الحصن ويصدرون عن رأيه فهو من جملة المقاتلة وإن كان لا يباشر القتال ولهذا جاز قتله إذا أسر فيتناوله الأمان أيضاً وأما العبيد ففي القياس هم ليسوا من المقاتلة وهم فيء أجمعون إذا وقع الأمان للمقاتلة لأنه لا يملك ما به يكون القتال من نفس أو مال ولكنه استحسن فقال‏:‏ إن علم أنه كان يقاتل مع مولاه فهو من جملة المقاتلة وإن كان لا يقاتل مع ملاوه فهو ليس من المقاتلة فكان فيئاً وهو دليل لأبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - في الفرق بين المأذون في القتال وغير المأذون في صحة الأمان منه إلا أن محمداً يقول‏:‏ صحة الأمان لا يعتمد كونه من المقاتلة فإن أمان المرأة صحيح وكذلك أمان ذوي الآفات صحيح وليسوا من جملة المقاتلة ولكن وجه هذه المسألة أن المملوك له بنية صالحة للقتال إلا أنه وقعت الحيلولة بينه وبين القتال باعتبار الملك الثابت فيه لغيره فتنعدم هذه الحيلولة بوجود الإذن له في القتال حكماً فقلنا‏:‏ إذا كان يقاتل مع مولاه فهو من المقاتلة باعتبار البنية الصاحبة للقتال وإذا كان ممن لا يقاتل مع مولاه فهو ليس من المقاتلة باعتبار الحيلولة وإن كان الذي يملك العبيد قد جعلهم في ذلك الموضع للقتال فهم من المقاتلة باعتبار الحيلولة وإن كان الذي يملك العبيد قد جعلهم في ذلك الموضع للقاتل فهم من المقاتلة قاتلوا أو لم يقاتلوا قال‏:‏ ألا ترى أن عامة عجم أهل خراسان من أهل الحرب عبيد لملوكهم يبيعونهم ويحكمون فيهم ما شاءوا وبهم يقاتلون العدو فمن كان من العبيد بهذه المنزلة فهو من المقاتلة قائل أو لم يقاتل وإذا اختلف المسلمون والمشركون في بعض من في الحصن فقال المشركون‏:‏ هم أحار وقال المسلمون‏:‏ هم عبيد كانوا في خدمة الموالي فالقول قول المشركين لتمسكهم بالأصل فإن قيل‏:‏ حاجتهم إلى إثبات الأمان لهم والتمسك بالأصل يصلح حجة لإبقاء ما كان على ما كان لا لإثبات استحقاق ما لم يعرف قلنا‏:‏ التمسك بالأصل لا يثبت الأمان لهم وإنما يثبت كونهم من المقاتلة ثم ثبوت الأمان للمقاتلة بالنص لا بالظاهر وإن اتفق القوم أنهم عبيد فقال المشركون‏:‏ كانوا يقاتلون معنا وقال المسلمون‏:‏ كانوا عبيداً في خدمة الموالي فالقول قول المسلمين وهم فيء لأنه قد ثبت باتفاقهم ما يوجب الحيلولة بينهم وبين القتال وهو الرق فالظاهر بعد ذلك إنما يشهد للمسلمين فهم فيء إلا أن تقوم البينة على ما قال المشركون ولا يقبل في ذلك إلا شهادة المسلمين لأنها تقوم على المسلمين‏.‏

وإن كانوا أهل الحصن الغالب منهم أنهم عبيد للملك وهم الذين يلون القتال والمسألة بحالها ففي القياس القول قول المسلمين وهم فيء لما ذكرنا وفي الاستحسان هم من المقاتلة فيأمنون حتى تقوم البينة للمسلمين أنهم كانوا خدماً لمواليهم ويقبل في ذلك شهادة أهل الحرب لأنها تقوم على أهل الحرب في هذا لأن الظاهر أنهم في المقاتلة والبناء على الظاهر واجب فيما لا يمكن الوقوف فيه على الحقيقة فأما كل بلد مثل الروم وغيرهم مما يكون الغالب فيه أن الأحرار هم المقاتلة فعبيدهم ليسوا من المقاتلة حتى يعلم منهم القتال للبناء على الظاهر في كل فصل وإن وقع الصلح على الأمان للمقاتلة وذراريهم وأموالهم ثم قالت المقاتلة لجيد المتاع وخيار السبي‏:‏ هذا متاعنا وهؤلاء ذرارينا فالقول في ذلك قولهم مع اليمين لأنه لا يمكن الوقوف على ذلك إلا من جهتهم ويتعذر عليهم إثبات ذلك بالبينة من المسلمين فيجب قبول قولهم في ذلك بمنزلة ما يخبر به المرء عن نفسه مما يكون في باطنه وفي أمان المقاتلة يدخل الجرحى وإن أصابتهم الجراحة في هذا القتال كيفما كانت الجراحات‏.‏

وإن كانت الجراحات إنما أصابتهم قبل ذلك فإن كانت تحتمل البرء من ذلك فهم من المقاتلة أيضاً بمنزلة المريض المشرف على الهلاك وإن كانت لا تحتمل البرء من ذلك نحو قطع اليدين والرجلين فهؤلاء ليسوا من المقاتلة وهم فيء إلا أن يكونوا أصحاب رأي يصدر أهل الحصن عن رأيهم في القتال فلهذا أحضروهم للبأس فيكونون من المقاتلة حينئذ وإن قال أهل الحصن‏:‏ أمنونا على أن نختار من السبي كذا وكذا رأساً فإذا ليس في الحصن سوى ذلك العدد فهم آمنون سواء قالوا في الصلح‏:‏ ولكم ما بقي أو لم يقولوا لأن الأمان لهم بالتنصيص على العدد فكان حالهم كحال أصحاب الفرائض مع العصبات فإذا لم يبق شيء بعد حق أصحاب الفرائض فلا شيء للعصابات ثم ذكر أنهم مإذا اشترطوا الأمان لأهل بيوتهم وقد تقدم بيان هذا في أبواب الأمان إلا أنه قال‏:‏ ها هنا أهل بيت الرجل من يعوله وينفق عليه في بيته ممن بينه وبينه قرابة وممن لا قرابة بينه وبينه وفيما سبق قال‏:‏ أهل بيته قرابته من قبل الأب الذين يناسبونه إلى أقصى أب يعرفون به وقد ذكرنا ها هنا أيضاً هذا التفسير فالحاصل أنه إنا كان المراد بالبيت المذكور بيت السكنى فكل من يعوله في بيته فهو من أهل بيته وإن كان المراد منه بيت النسب فكل من يناسبه إلى أقصى أب فهو من أهل بيته فإذا لم يعلم مراده بذلك دخل الفريقان في الأمان لأن باب الأمان مبني على التوسع وكل من تردد حاله بين أن يكون آمناً أو لا يكون فهو آمن لتغليب الحظر على الإباحة بخلاف الوصية على ما عرف وإن وقع الصلح على الرجال وأهليهم فأهل الرجل من يعوله في بيته وهو استحسان وفي القياس أهله زوجته خاصة وقد بينا هذا إلا أن في اسم الأهل لا يدخل غير عياله بخلاف اسم أهل البيت ثم بين مفاداة الأسير بالأسير وطريق كتبه الوثيقة في ذلك وإذا وقوع الصلح على أن يعطيهم المسلمون مائة رأس ويعطي المشركون المسلمين مائة رأس أيضاً فإن نظر المسلمون إلى ما في أيدي المشركين من الأسراء فإذا هم لا يتمون مائة رأس فإنه لا ينبغي للمسلمين أن ينقضوا الصلح ولكنهم يعطونهم من الأسراء بعدد ما في أيديهم قلوا أو كثروا لأن الشرط هكذا جرى والبعض معتبر بالكل ولا يستحب للمسلمين أن يدعوا أسيراً واحداً من المسلمين لا يفادونه وإن لم يجدوا غيره فإن خبأ المشركون أقوياء الأسراء وأظهروا المشيخة وأهل الزمانة منهم فإنه لا ينبغي للمسلمين أن يمتنعوا من المفاداة بهم لأن حرمة هؤلاء كحرمة الأقوياء إذا ظهروا والمفاداة بهم لحرمة المسلمين إلا أن يرجو المسلمون أنهم إذا أبوا عليهم أن يفادوا المشيخة أظهروا ما كتموا من أسراء المسلمين فحينئذ لا بأس بأن يمتنعوا من المفاداة بما أظهروا لمعنى النظر وإن أبوا إظهار ذلك فعلى الإمام أن يفادي ما أظهروا إلا أن يكون في ذلك توهين بين لأمر المسلمين وجرأة عليهم فحينئذ للإمام ألا يفاديهم لدفع المذلة عن المسلمين ألا ترى أنهم لو قالوا لا نفادي رجلاً من المسلمين إلا بمائة رجل من المشركين فإنه يكون للإمام أن يمتنع من ذلك وإن كان الرجل الواحد من المسلمين خيراً من مائة رجل من المشركين ولكن لدفع التوهين كان له أن يمتنع من ذلك فكذلك ما سبق فإن طلب الرسل الأمان لأنفسهم على أهليهم وأموالهم على أن يمكنونا من الحصن فأمناهم على ذلك فإذا هم لا أهل لهم ولا مال فهم آمنون خاصة دون من سواهم لأن إعطاء الأمان يكون للموجود دون المعدوم فإذا لم يوجد في الحصن شيء لهم من الأموال والأهلين فالأمان في أنفسهم صادف الموجود وفيما سوى ذلك صادف المعدوم وإن ادّعوا جميع ما في الحصن من الأموال أنها لهم وحلفوا على ذلك فالقول لهم لما بينا أنه لا يمكن الوقوف على ذلك إلا من جهتهم وإن أومنوا على ذراريهم قد بينا فيما سبق أن اسم الذرية يتناول الأولاد وأولاد الأولاد وأولاد البنين وأولاد البنات في ذلك سواء ألا ترى أن الله تعالى سمى عيسى بن مريم - صلوات الله عليهما - من ذرية آدم عليه السلام واسم النساء لا يتناول إلا الأزواج خاصة قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ‏}‏ المجادلة‏:‏ 5 وقال - تعالى - ‏{‏لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ‏}‏ البقرة‏:‏ 226 والمراد الأزواج خاصة والنسل بمنزلة الذرية فأما اسم الأولاد لا يتناول إلا أولاد الصلب في قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - لأن الاسم لهم حقيقة ولأولاد الأولاد مجاز فإذا صارت الحقيقة مراداً لم يطلق على المجاز وإن لم يكن لبعض من صالح ولد لصلبه فولد بنيه يدخلون الآن لأنهم أولاده مجازاً ويجب العمل بالمجاز إذا تعذر العمل بالحقيقة فأما ولد البنات فليسوا من ولده وفي هذا الفصل روايتان أيضاً قد تقدم بيانه في أبواب الأمان واسم البنين في الأمان يتناول المختلطين في قول محمد - رحمه الله تعالى - قال‏:‏ وفي قياس قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كقول محمد - رحمه الله - في الأمان استحساناً لأنه مبني على التوسع وليس في إدخال الأنثى مع الذكر فيه بخس لحق الذكر بخلاف الوصية وفي اسم الولد يدخل البنون والبنات لأنه اسم لكل من ينسب إليه بالولادة وإذا دخل المسلمون أرض الحرب بغير أمان فمروا بكنيسة من كنائسهم فلا بأس بتخريبها وتحريقها وقضاء الحاجة فيها وكذلك وطء الجواري فيها لأن هذا بمنزلة غيره من مساكنهم بل هو أهون على المسلمين من المساكن لكثرة ما يعصى الله تعالى فيها وإنما أراد بهذا الفرق بين البيع والكنائس وبيوت النيران وبين المساجد فإن المسجد مصلى للمسلمين مبين لإقامة الطاعات فيه فكان محرزاً من حق العباد خالصاً لله تعالى قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ‏}‏ الجن‏:‏ 18 بمنزلة الكعبة فلهذا لا ينبغي أن يدخله جنباً فيه أو بطأ الرجل فيه امرأته أو يقضي فيه حاجته من بول أو غائط فأما هذه المواضع فهي معدة لعبادة غير الله تعالى فيها فكان حكمها وحكم مساكنهم سواء فإن طلب حربي الأمان لأهله وولده ونفسه على أن يدل المسلمين على أهل قرية فيها أهله وولده فذلك جائز وبين في الكتاب وثيقة هذه الموادعة قم قال‏:‏ فإذا دلهم على قرية فيها سبي قليل أو كثير فقد وفى بما قال فهو آمن لأنه أتى بالمشروط وإن لم يكن في القرية غير أهله وولده فهو فيء وأهله وولده للمسلمين لأنه ضمن بالعقد الدلالة على قرية فيها سبي وأهله وولده فيهم وإنما علق المسلمون الأمان بذلك فإذا لم يوجد منه الدلالة على مثل هذا الموضع لم يستفد الأمان وكذلك إن كان فيهم واحد أو اثنان من غير أهله وولده لأن الشرط أن يكون في القرية سبي سوى أهله وولده والسبي اسم جمع وأدنى الجمع المتفق عليه ثلاثة وإن قال‏:‏ قد كان في هذه القرية سبي فذهبوا فلا أمان له لأن الأمان إنما علق بدلالته على قرية فيها سبي وهذه قرية لا سبي فيها الآن ولأن المقصود أن يتمكن المسلمون من أخذ السبي بدلالته وبالذين كانوا فيها فذهبوا قبل دلالته لا يحصل هذه المقصود وإن كانوا أمنوه حين دخل العسكر ثم قال بعد ذلك‏:‏ تؤمنوني على نفسي وأهلي وولدي على أن أدلكم على أهل هذه القرية فإن لم أوف فلا أمان بيني وبينكم ثم دلهم على قرية ليس فيها غير أهله وولده فأهله وولده فيء وهو آمن لأن أمانة كان ثابتاً قبل هذا الشرط فأما أمان أهله وولده فإنما علقه المسلمون بدلالته ولم يوجد فلا أمان لهم وبقي أمانه على ما كان من قبل لأنه بعد ما ثبت الأمان له فما لم يبلغ مأمنه كان آمناً وبقوله فلا أمان بيني وبينكم لا يوجد تبليغه إلى مأمنه فلا يبطل ذلك الأمان بخلاف الأول فإن هناك الأمان له معلق بشرط الدلالة على قرية فيها سبي كما لأهله وولده فإذا لم يدل على ذلك لم يكن آمناً فإن كان سمى للمسلمين عدداً من السبي يدلهم على ذلك على أن يؤمنوه على نفسه فإن وفى بذلك وإلا فلا أمان له ثم إن دلهم على أقل من ذلك العدد فهو فيء لأن الشرط الذي علق به أمانه لم يوجد وفي القياس للمسلمين أن يقتلوه كما قبل هذا الاستئمان وفي الاستحسان ليس لهم أن يقتلوه لأنه وفى لهم ببعض المشروط ولو وفى بجميع المشروط كان آمناً من القتل والاسترقاق جميعاً فوفاؤه ببعض المشروط يورث شبهة والقتل يندرىء بالشبهات وهذا لأن فيما شرط عليه معنى العوض باعتبار المنفعة للمسلمين ومعنى الشرط باعتبار الظاهر فإن اعتبرنا معنى الشرط كان لهم أن يقتلوه لأن الشرط يقابل المشروط جملة وإن اعتبرنا معنى العوض كان هو آمناً ففيما يندرىء بالشبهات رجحنا معنى العوض وهو القتل وفيما يثبت مع الشبهات رجحنا اعتبار معنى الشرط فجاز استرقاقه ثم بين الوثيقة في الموادعة المشروطة فيها الرهن من الجانبين أو من أحد الجانبين وقد استقصينا بيان باب من نكاح أهل الحرب مما لا يجوز في دار الإسلام وإذا أسلم الحربي وعنده أختان فإن كان تزوجهما في عقدة واحدة فنكاحهما باطل وإن كان تزوجهما في عقدتين فنكاح الأولى منهما صحيح ونكاح الثانية باطل إذا أسلمتا معه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى وهو قول إبراهيم وقتادة وعند محمد - رحمه الله تعالى - سواء تزوجهما في عقدة واحدة أو في عقدتين فإنه يخير فيختار أيهما شاء ويفارق الأخرى ولو كان الذي فعل ذلك ذمياً في دار الإسلام ثم أسلم وأسلمتا معه فالجواب كما هو قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - لأن الذمي ملتزم أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات وحرمة الجمع من حكم الإسلام فلم يقع أصل نكاحهما صحيحاً إذا كان المباشر ملتزماً لحكم الإسلام فأما أهل الحرب فهم غير ملتزمين حكم الإسلام وكان أصل النكاح منهما صحيحاً باعتبار قصور الخطاب بتحريم الجمع عنهم فإذا اعترضت الحرمة في البعض بعد صحة النكاح وجب التخيير لا التفريق بمنزلة المسلم يطلق إحدى نسائه الأربع ثلاثاً بغير عينها وعلى هذا قال محمد - رحمه الله تعالى - إذا تزوج الذمي امرأة بغير صداق ثم أسلما فلها مهر مثلها بخلاف الحربي وقد قرر هذا الكلام في الكتاب فقال‏:‏ اختصاص الابتغاء بالمال من حكم الإسلام ثابت في حق الأمة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة حرمة ما زاد على الأربع فإنه من حكم الإسلام ثابت في حق الأمة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يثبت أحد الحكمين في حق أهل الحرب فكذلك الحكم الآخر وأبو حنيفة وأبو يوسف - رضي الله تعالى عنهما - قالا‏:‏ وجوب الاعتراض بعد الإسلام بسبب الجمع فالجمع حصل لهما جميعاً والاستدامة على ما استدام كالإنشاء فيجعل في الحكم كأن العقد إنما وجد منه بعد الإسلام فإن كان تزوجهما في عقد واحد بطل نكاحهما وإن كان تزوجهما في عقدتين بطل نكاح الثانية وكذلك الحكم في الزيادة على الأربع ألا ترى أن في أهل الذمة أثبتنا الجزية بهذا الطريق وكما أن أهل الحرب غير ملتزمين لحرمة الجمع فأهل الذمة غير ملتزمين لذلك ولهذا لا يتعرض الإمام لهم إذا فعلوا ذلك قبل المرافعة إليه فلهذا سوى أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - بين أهل الذمة وأهل الحرب في النكاح بغير صداق ثم استدل محمد - رحمه الله تعالى عليه - لإثبات مذهبه بآثار ذكرها في الكتاب بالإسناد فمنها‏:‏ حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - أن غيلان ابن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال هل النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اختر منهن أربعاً فلما كان زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه فدعاه عمر - رضي الله عنه - فقال‏:‏ طلقت نساءك وقسمت مالك بين بنيك قال‏:‏ نعم قال‏:‏ إني لأرى الشيطان فيما يسترق من السمع سمع لموتك فقذفه في نفسك فلعلك ألا تمكث إلا قليلاً وايم الله تعالى إن لم تراجع نساءك وترجع في مالك ثم مت لأورثهن من مالك ثم لأمرت بقبرك أن يرجم كما يرجم قبر أبي رغال قال محمد - رحمه الله تعالى -‏:‏ أظنه فعل هذا في مرضه وروي عن محمد بن عبد الله أنا أبا مسعود بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفي أسلم وتحته ثمان نسوة فتخير منهمن أربعاً قال محمد‏:‏ أخبرنا الثقة عن عبد الله بن لهيعة عن أبي وهب الجيشاني أن الضحاك بن فيروز الديلمي يروي عن أبيه قال‏:‏ أسلمت وعندي أختان فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أفارق إحداهما قال محمد - رحمه الله تعالى - وفيروز الديلمي كان من أهل فارس الذين كانوا بصنعاء أسلم فحسن إسلامه قال الشيخ‏:‏ وتأويل هذه الآثار عند أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - من وجهين أحدهما‏:‏ أن أصل هذه الأنكحة كانت قبل نزول تحريم الجمع منهن ومثله لا يوجد في زماننا والثاني أنه أراد بقوله‏:‏ اختر إحداهما أو اختر منهم أربعاً بتجديد العقد عليهن لا للإمساك لحكم ما تقدم من العقد وأبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - قائل بهذا ثم ذكر إسلام أحد الزوجين في دار الحرب فالحاصل فيه أنه إن أسلم الزوج والمرأة من أهل الكتاب فهي امرأته لأن ابتداء النكاح بينهما على هذه الصفة جائز فالبقاء أجوز فإن كانت من غير أهل الكتاب أو كانت المرأة هي التي أسلمت فإنه يتوقف وقوع الفرقة بينهما على انقضاء ثلاث حيض لأن بعد صحة النكاح لا بد من تقرير السبب الموجب للفرقة وإسلام من أسلم منهما لا يصلح لذلك فهو سبب لتقرير الملك وكفر من أصر منهما كان موجوداً قبل هذا أولاً ولا أثر له في الفرقة وقد تعذر استدامة النكاح بينهما فقلنا‏:‏ بأنه يتوقف وقوع الفرقة بينهما على انقضاء مدة العدة لأن لانقضاء مدة العدة تأثيراً في الفرقة بعد الطلاق الرجعي ولو كانا في دار الإسلام لكان يعرض الإسلام على المصر منهما ثلاث مرات ويفرق بينهما إن أبى الإسلام فإذا تعذر عرض الإسلام بسبب انقطاع ولاية الإمام عنها أقمنا ثلاث حيضات مقام ثلاث عرضات في ذلك فإن خرج الذي أسلم منهما إلى دار الإسلام قبل انقضاء ثلاث حيض فكذلك الجواب عند أهل الحجاز وعند أهل العراق تقع الفرقة بينهما بتباين الدارين حقيقة وحكماً لأن من في دار الحرب من أهل الحرب في حق من هو من أهل دار الإسلام كالميت قال الله - تعالى -‏:‏ ‏{‏أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ‏}‏ الأنعام‏:‏ 122 واختلفت الرواية في رد رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم ابنته زينب - رضي الله تعالى عنها - على أبي العاص فروى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أنه صلى الله عليه وسلم ردها عليه بنكاح جديد وروى عامر الشعبي أنه ردها عليه بالنكاح الأول فإن كان الرد بنكاح جديد فهو حجة لنا وإن كان الرد بالنكاح الأول فتأويله ما قاله الزهري أن ذلك كان قبل نزول الفرائض وقال قتادة‏:‏ كان ذلك قبل نزول سورة براءة وقال الشعبي‏:‏ كان ذلك قبل نزول قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‏}‏ الممتحنة‏:‏ 10 وفيما ذكر هؤلاء بيان أن هذا الحكم منسوخ بنزول هذه الآيات وأنه لا عصمة بين الزوجين بعد تباين الدارين حقيقة وحكماً والذي يقوله الزهري‏:‏ إن نساء من قريش أسلمن يوم الفتح وهرب أزواجهن ثم رجعوا إلى الإسلام فأقرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أزواجهن بذلك النكاح على ما يروى من حديث أم حكيم امرأة عكرمة ابن أبي جهل وحديث امرأة حكيم بن حزام فهؤلاء قوم قد هربوا إلى الساحل وهي من حدود مكة قد صارت مفتوحة بفتح مكة فلم يوجد تباين الدارين بينهن وبين أزواجهن والذي يروى أن أبا سفيان أسلم بمر الظهران في معسكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوجته هند مشركة بمكة ثم أسلمت فردها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنكاح الأول فقد تكلم الناس أنه متى حسن إسلام أبي سفيان بعد اتفاقهم أنه لم يحسن إسلامه يومئذ وإنما أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشفاعة عمه العباس - رضي الله عنه - أن أميمة بنت بشر فرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي مسلمة زوجها كافر مقيم بأرض الكفر فلما انقضت عدتها زوجها رسول صلى الله عليه وآله وسلم سهيل بن حنيف ثم قدم زوجها بعد ذلك مسلماً فلم يرد إليه وفي هذا دليل أن الفرقة وقعت بينهما بتباين الدارين وبه يستدل محمد - رحمه الله تعالى - على وجوب العدة على المهاجرة وأبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - لا يرى على المهاجرة العدة وجعلها في ذلك كالمسبية لأن وقع الفرقة في الموضعين كان بتباين الدارين حكماً وليس في الحديث أنها اعتدت بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عن سعيد بن جبير قال‏:‏ إذا لحقت المرأة بأرض الحرب فلا تعتد بها في نسائك وبه نأخذ فنقول‏:‏ إذا لحقت مرتدة عن الإسلام أو كانت ذمية فلحقت ناقضة للعهد فقد بانت من زوجها لتباين الدارين حقيقة وحكماً حين صارت حربية ولكن لا عدة لها ها هنا لأن العدة من حكم الإسلام والحربية لا تخاطب بذلك بخلاف المهاجرة على قول محمد - رحمه الله عليه - وعند أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - هما سواء في حكم العدة إلا أن المهاجرة إذا كانت حاملاً فليس لها أن تتزوج ما لم تضع حملها لا لوجوب العدة عليها ولكن لأن في بطنها ولداً ثابت النسب بمنزلة أم الولد إذا حبلت من مولاها فقد روى الحسن عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - أنها‏:‏ إن تزوجت جاز النكاح ولكن لا يقربها زوجها حتى تضع حملها لكيلا يكون ساقياً ماؤه زرع غيره بمنزلة المسبية إذا كانت حاملاً فتزوجها مولاها وإذا تزوج الحربي في دار الحرب امرأة وابنتها في عقدة واحدة أو عقدتين ثم أسلموا قبل أن يمس واحدة منهما فعند أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - إن كان تزوجهما في عقدة واحدة فنكاحهما فاسد وإن كان تزوجهما في عقدتين فنكاح الثانية فاسد لأن وجوب الاعتراض لمعنى الجمع ها هنا بمنزلة نكاح الأختين وعلى قول محمد - رحمه الله - نكاح الابنة صحيح في الوجهين ونكاح الأم فاسد لأن الحرمة بسبب الجمع لا تثبت في حقهم عنده قبل الإسلام كما في حق الأختين فكان نكاح البنت صحيحاً تقدم أو تأخر وبمجرد العقد الصحيح على الابنة تحرم الأم وبمجرد العقد على الأم لا تحرم الابنة فلهذا صح نكاح البنت في الوجهين وبطل نكاح الأم وهذا لأن حرمة المصاهرة نظير حرمة الرضاع والنسب و يثبت في دار الحرب عند تقرر سببه كما يثبت في دار الإسلام فهذا مثله وإن كان دخل بهما فنكاحهما باطل على كل حال بالاتفاق لأن الدخول بكل واحدة منهما يحرم الأخرى بسبب المصاهرة على التأبيد وإن كان دخل بإحداهما دون الأخرى فعلى قول محمد - رحمه الله تعالى - إن كان دخل بالأم بعد ما تزوج الابنة فنكاحهما باطل لأن العقد الصحيح على الابنة يوجب حرمة الأم والدخول بالأم يوجب حرمة البنت وإن كان دخل بالأم قبل أن يتزوج الابنة فنكاح الأم صحيح لأن الدخول بها يوجب حرمة الابنة ثم العقد على الابنة بعد ذلك غير صحيح والعقد الفاسد على الابنة لا يوجب حرمة الأم وإن كان دخل بالابنة فنكاحها صحيح لأنه لم يوجد في حق الأم إلا مجرد والعقد لا يوجب حرمة الابنة وعلى قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - وأبي يوسف - رحمه الله تعالى - إن كان تزوجهما في عقدة فنكاحهما باطل ثم له أن يتزوج التي دخل بها أمّاً كانت أو بنتاً وليس له أن يتزوج الأخرى لأن الدخول بمن دخل بها محرم للأخرى أمّاً كانت أو ابنة وإن كان تزوجهما في عقدتين فإن كان تزوج الابنة أولاً ودخل بها فنكاحها صحيح ونكاح الأم باطل لأجل المصاهرة وإن كان دخل بالأم فنكاحهما باطل لأن العقد على الابنة كان صحيحاً وذلك يوجب حرمة الأم وقد دخل بالأم وذلك يوجب حرمة الابنة وإن كان تزوج الأم أولاً فإن دخل بها فنكاحها صحيح وإن دخل بالابنة بطل نكاحهما جميعاً لأن العقد على الابنة لم يكن صحيحاً لمعنى الجمع والدخول بالابنة مبطل نكاح الأم ثم له أن يتزوج الابنة دون الأم لأن الموجود منه في حق الأم مجرد العقد والعقد على الأم لا يوجب حرمة الابنة فلهذا كان له أن يتزوجها قال‏:‏ ولو تزوج الحربي أمة وحرة ثم أسلموا جاز نكاحهما في قول محمد - رحمه الله - لأن حرمة الجمع بين الأمة والحرة لم يكن ثابتاً في حقهما عنده وبعد الإسلام الحال حال استدامة النكاح واستدامة النكاح على الأمة والحرة من حكم الإسلام ولم يذكر قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - في هذا الفصل وقيل‏:‏ الجواب هكذا على قوله لأن حكم لخطاب إنما يثبت في حقهم بعد الإسلام وقيل‏:‏ بل عنده يبطل نكاح الأمة ويجعل كالمجدد للعقد عليهما بعد الإسلام كما في حق الأختين قال‏:‏ وإذا تزوج الحربي أربع نسوة في عقدة أو عقدتين ثم سبي وسبين معه فعلى قول محمد - رحمه الله تعالى - يختار اثنتين منهن لأن ما زاد علي الثنيتين في حق العبد بمنزلة الزيادة على الأربع في حق الحر وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - يبطل نكاحهن جميعاً هاهنا إما إنه إن تزوجهن في عقدة واحدة فهو غير مشكل لأنه بمنزلة الحر يتزوج خمس نسوة في عقدة واحدة ثم يسلم ويسلمن معه وإن كان تزوجهن في عقد متفرقة فالفرق بين هذا الفصل وبين ما إذا أسلم وأسلمن معه أن هناك نكاح ما زاد على الأربع ما وقع صحيحاً بحكم الإسلام فإذا وجب الاعتراض بحكم الإسلام يتعين الفساد ما لم يقع صحيحاً بحكم الإسلام وهاهنا نكاح الأربع وقع صحيحاً بحكم الإسلام لأنه كان حراً حين تزوجهن فلم يكن البعض بإفساد نكاحها بأولى من البعض فلهذا فرق بينه وبينهن ولو تزوج حربي رضيعتين ثم أرضعتهما امرأة ثم أسلموا فهذا وما لو كانتا أختين حين تزوجهما سواء على الخلاف الذي بيننا لأنهما صارتا أختين قبل الإسلام بالرضاع وإن كانت إنما أرضعتهما بعدما أسلموا فقد فسد نكاحهما جميعاً وبه استدل أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - على محمد - رحمه الله تعالى - إلا أن محمداً يقول‏:‏ لما أسلموا قبل الإرضاع فحالهم وحال مال لو كانوا مسلمين حين تزجهما سواء والمسلم إذا تزوج رضيعتين ثم أرضعتهما امرأة وقعت الفرقة بينه وبينهما لأن المفسد وهي الأختية وجد فيهما جميعاً بخلاف ما سبق وكذلك إذا أسلم الزوج وهم من أهل الكتاب ثم أرضعتهما امرأة ولو كان تزوج الحربي كبيرة ورضيعة وللكبيرة لبن فأرضعت الصغيرة ثم أسلموا ففي قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - نكاحهما فاسد لأنه صار جامعاً بينهما بعد ما صارتا أما وابنة فكأنه تزوجها ابتداء بعد الإرضاع وفي قول محمد - رحمه الله - نكاح الابنة جائز لأنه وجد العقد الصحيح على الابنة وذلك يوجب حرمة الأم ومجرد العقد على الأم لا يوجب حرمة البنت ولو كان الإرضاع بعد الإسلام بطل نكاحهما بالاتفاق بمنزلة ما لو تزوجهما بعد الإسلام وكذلك لو أسلم الزوج ثم أرضعت الكبيرة الصغير فقد فسد نكاحهما لأن المخاطب بحرمة الجمع بين الأم والبنت الزوج ولو كانت الكبيرة أسلمت وحدها ثم أرضعت الصغيرة فعند محمد - رحمه الله - يفسد نكاحها ويجوز نكاح البنت لأن الزوج حربي حين أرضعتها فكان هذا وما لو أرضعتها قبل إسلامها سواء ولو كان الذي أسلم أبو الصغيرة ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة فقد فسد نكاحهما جميعاً أما عند أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه -‏:‏ لا إشكال وأما عند محمد - رحمه الله - فلأن الابنة صارت مسلمة بإسلام الأب فلا يجوز نكاحها مع أمها بحكم الإسلام فبطل نكاحها لهذا المعنى وقد بطل نكاح الأم بسبب العقد على الابنة فلهذا قال‏:‏ يفسد نكاحهما جميعاً وأوضح هذا بما لو تزوج رضيعة ثم طلقها ثم تزوج كبيرة فأرضعت الصغيرة فإن الكبيرة تحرم عليه لأن الصغيرة صارت ابنة لها وقد كانت في نكاحه في وقت بعقد صحيح ومجرد العقد عل الابنة يوجب حرمة مؤبدة في حق الأم ولو أن زوجين مستأمنين في دار الإسلام وأسلم الزوج وهي من أهل الكتاب فأرادت الرجوع إلى دار الحرب لم يكن لها ذلك لأن بعد إسلام الزوج النكاح مستدام بينهما فهي مستأمنة تحت مسلم فتصير ذمية لأن المرأة في المقام تابعة لزوجها بمنزلة ما لو تزوجت بمسلم ابتداء وكذلك إذا صار الزوج ذمياً لأن الذمي من أهل دارنا كالمسلم فإن جحدت أن تكون امرأته فالقول قولها وعلى الزوج البينة ولا يقبل عليها بالنكاح شهادة أهل الحرب لأن في زعم الزوج والشهود أنها ذمية وشهادة أهل الحرب على الذمي لا تكون حجة ولو كانت أنكرت النكاح قبل أن يسلم الزوج أو يصير ذمياً لم يقض القاضي عليهما بشيء وإن أقام بينة من المسلمين أنهما مستأمنان فلا يقضي القاضي بين المستأمنين بحقوق معاملة جرت في دار الحرب لأنهما لم يلتزما حكم الإسلام وهو إنما يزعم أن النكاح بينهما كان في دار الحرب فلهذا لا يقضي بينهما باعتبار زعمه ولو لم تكن المرأة كتابية فإن القاضي يعرض عليها الإسلام فإن أسلمت وإلا فرق بينهما لأنهما تحت ولايته الآن فيمكن من عرض الإسلام على الذي يأبى منهما وبناء التفريق عليه ثم يكون لها أن ترجع إلى دار الحرب بعد انقضاء عدتها لأن النكاح غير مستقر ها هنا بعد إسلام الزوج فإن ابتداء العقد بينهما على هذه الصفة لا يجوز فلا تصير ذمية إلا أن العدة تلزمها لحق الزوج المسلم فلا تتمكن من الخروج قبل انقضاء العدة لأني لا أدري لعلها حامل وولدها مسلم بإسلام أبيه فلهذا لا تتمكن من الرجوع إلى دار الحرب قبل انقضاء العدة ولو لم يسلم زوجها ولكنه صار ذمياً فليس لها أن ترجع إلى دار الحرب لأن الزوج في المقام لا يتبع امرأته قال‏:‏ ولو ذهب إلى دار الحرب قبل عرض القاضي عليه الإسلام فقد وقعت الفرقة بينهما بتباين الدارين حقيقة وحكماً وهذه فرقة بغير طلاق والمرتد ليس من أهل النكاح لأن النكاح يعتمد الملة ولا ملة للمرتد وقد قررنا هذا في شرح المختصر ثم فرع على فصل المهاجرة وقال‏:‏ إذا طلقها زوجها وهو في دار الحرب لم يقع طلاقه عليها أما عند أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - فلأنه لا عدة عليها وأما عند محمد - رحمه الله تعالى - فلأنه حربي ولا عصمة بين الحربي والمسلم وفي الحكم بوقوع طلاقه عليها إثبات معنى العصمة بينهما ولهذا قال محمد - رحمه الله تعالى - ولو كان أسلم ثم طلقها وقع طلاقه عليها لأنها في عدته ويجوز الحكم بالعصمة بين المسلمين وإن كان أحدهما في دار الحرب وقاس هذا بالمرتد اللاحق بدار الحرب إذا طلق امرأته لم يقع طلاقه عليها وإن كانت في عدة منه ولو رجع مسلماً أو أسلم في دار الحرب ثم طلقها وقع طلاقه عليها لأنها في عدته ولو كان الحربي دخل إلينا بأمان ثم طلق المهاجرة التي تعتد منه لم يقع طلاقه عليها لأنه حربي بعد فكان حاله وحال ما لو كان في دار الحرب صورة سواء ألا ترى أن امرأة حرة لو كانت تحت عبد فاشترته بعد ما دخل بها فقد فسد النكاح وعليها العدة وإن طلقها وهو عبد لها لم يقع طلاقه عليها لأنه لا عصمة بسبب النكاح بين المملوك وبين المالكة وإن أعتقته أو باعته ثم طلقها وقع طلاقه عليها لأنها في عدته ولو كانت المهاجرة حاملاً فلزوجها في قول أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - أن يتزوج أختها لأنه لا عدة عليها وإنما لا يجوز لها أن تتزوج بزوج آخر لأن في بطنها ولداً ثابت النسب فكان حالها كحال أم الولد إذا حبلت من مولاها وهناك للمولى أن يتزوج أختها ولكن لا يطؤها حتى تضع حملها كيلا يصير جامعاً ماءه في رحم أختين فهذا مثله وكذلك الحكم فيالمسبية ولو أسلم الزوج وخرج إلينا وترك زوجته في دار الحرب فقد وقعت الفرقة بينهما بتابين الدارين ولكن ليس لها أن تتزوج بزوج آخر إذا كانت حاملاً وهذه لا عدة عليها ولكن في بطنها ولد ثابت النسب إلا أن نسب ولدها لا يلزم الزوج إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر لأنها بانت إلى عدة تباين الدارين فكان ذلك بمنزلة الطلاق قبل الدخول في الحكم ولو أسلمت المرأة في دار الحرب ثم وقعت الفرقة بينهما بمضي ثلاث حيض فهذا في حكم العدة وما لو وقعت الفرقة بينهما بخروجها إلى دار الإسلام سواء لأن في الموضعين قد وقعت الفرقة بينهما وهي حرة مسلمة مخاطبة بحكم الإسلام سواء كانت في دار الحرب أو في دار الإسلام قال‏:‏ حربية أسلمت في دار الحرب ثم خرجت وخرج زوجها معها بأمان فهي امرأته حتى تحيض ثلاث حيض أو يعرض عليه السلطان الإسلام لأنه من وجه كالذمي فإن السلطان يتمكن من عرض الإسلام عليه وهو في الحقيقة حربي حتى يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب فلكونه حربياً قلنا‏:‏ الفرقة تقع بينهما بمضي ثلاث حيض ولكونه بمنزلة الذمي من وجه قلنا‏:‏ يفرق بينهما بعد إباء الإسلام وبأي الوجهين وقعت الفرقة بينهما فعليها أن تعتد بثلاث حيض ولو طلقها في العدة وقع عليها طلاقه لأنه معها في دار الإسلام وقد بينا أنه كالذمي من وجه ألا ترى‏:‏ أنه لو خلعها قبل أن يفرق بينهما السلطان ثم طلقها في العدة ثلاثاً أو طلقها قبل الخلع ثلاثاً وقع طلاق عليها فكذلك بعد التفريق بينهما لأن تلك فرقة بطلاق وهذا بخلاف ما لو خرجت وحدها ثم خرج الزوج بعدها مستأمناً فإنه لا يقع طلاقه عليها لأن هناك قد بقي الزوج في دار الحرب بعد خروجها فانقطعت العصمة به بينهما وصار بحال يقع طلاقه عليها فما لم يصر من أهل دارنا بعد ذلك لا يلحقها طلاقه وها هنا حين وقعت الفرقة كان هو معها في دار الإسلام فلم يكن في حالة من الحالات بحال لا يقع طلاقه عليها فلهذا قلنا ما دامت في العدة يقع طلاقه عليها والله أعلم بالصواب‏.‏

قال - رحمه الله - ويكره للمسلم أن يتزوج في دار الحرب كتابية منهم حرة كانت أو أمة هكذا نقل عن عليّ - رضي الله عنه - وهذا لأنه ربما يبقى له نسل في دار الحرب وفيه تعريض ولده للرق فإنها لو سبيت وهي حبلى منه صار ما في بطنها رقيقاً وربما يتخلق أولاده بأخلاق الكفار إلا أن هذه الكراهة ليست لمعنى في عين النكاح في محله أو شرطه فلا يمنع صحة النكاح بعد أن كان بشهود مسلمين في قول محمد - رحمه الله - وفي قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - يستوي إن كان الشهود مسلمين أو كفاراً وهي معروفة فإن كان يخشى العنت على نفسه فلا بأس بأن يتزوجها لأن التحرز عن الزنا فرض ولا يتوصل إليه إلا بالنكاح وهو نظير ما لو تزوج أمة لمسلم أو ذمي في دار الإسلام فإن ذلك مكروه له إلا أن يخشى العنت على نفسه فهذا مثله ولو أسروا حرة مسلمة أو ذمية فلا بأس لهذا المسلم أن يتزوجها وإن لم يخف العنت على نفسه لأنها حرة من أهل دارنا ولم يملكوها بالاسترقاق فيجوز للمسلم أن يتزوجها برضاها في دارهم كما يجوز في دارنا فإن كانت أمة له فذلك مكروه له إلا يخشى العنت على نفسه لأنهم بالأحراز ملكوها حتى لو أسلموا كانت أمة لهم فولده منها يكون عبداً لهم وفرق بين هذا وبين ما إذا تزوج فيهم بغير شهود فإنه لا يجوز وإن كان يخشى العنت على نفسه وكذلك إذا لم يجد شهوداً مسلمين على قول محمد - رحمه الله تعالى - لأن المنع هناك لانعدام شرط الجواز وهو الشهود وذلك منع لمعنى في عين النكاح أو لمعنى في المحل بأن كان لا يجد إلا مجوسية أو وثنية وهناك لا يجوز له نكاحها سواء كان يخشى عليه العنت أو لا يخشى فأما ها هنا المنع لما فيه من تعريض ولده للرق وهو غير متصل بالنكاح شرطاً ولا محلاً فإذا ظهر ما هو الأولى بالاعتبار منه قلنا‏:‏ يجوز النكاح من غير كراهة وإن كانوا أسروا مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد ثم زوجوها من هذا المسلم لم يجز ذلك لأنهم لم يملكوها بالإحراز ولا نكاح إلا بولي وولي المكاتبة مولاها فإذا أذن لها مولاها في التزوج بكتاب كتبه من دار الإسلام فلا بأس بأن يتزوجها لأنها باقية على ملكه والكتاب ممن نأى كالخطاب ممن دنا فإن دخل مولاها دارهم بأمان فلا بأس بأن يطأ مدبرته وأم ولده إذا خلا بها ولم يكن الحربي وطئها لأنها باقية على ملكه فإن وطئها الحربي فليس لمولاها أن يطأها بعد ذلك لأن فيه اجتماع رجلين على امرأة واحدة في طهر واحد إلا أن يترك الحربي وطأها فحينئذ للمولى أن يطأها إذا استبرأ رحمها فأما المكاتبة فليس له أن يطأها كما لم يكن له ذلك قبل الأسر لأنها بالكتابة صارت كالخارجة عن ملكه وكذلك لو زوجها إياه الحربي لأنها باقية على ملكه حقيقة فلا يثبت النكاح بينه وبينها بخلاف المدبرة وأم الولج إذا زوجها الرحبي منه جاز له وطؤها لأنه إنما يطؤها بالملك لا بالنكاح ألا ترى أن قبل التزوج كان وطؤها حلالاً له ولو أسروا امرأته وهي حرة أو أمة ثم دخل إليهم بأمان فلا بأس بأن يطأها لبقاء النكاح بينهما فإن قيل‏:‏ هذا في الحرة صحيح وأما في الأمة فهو غير صحيح لأنها صارت مملوكة لهم حتى لو أسلموا كانت لهم والمملوك تبع لمولاه فقد صارت بهذا الطريق من أهل دار الحرب وتباين الدارين حقيقة وحكماً موجب للفرقة بينهما قلنا‏:‏ لا كذلك فإنها كانت من أهل دارنا لكونها مسلمة أو ذمية وذلك لا ينتقض بتملكهم إياها بالإحراز كما لا ينتقض بتملكهم إياها بالشراء والإدخال في دار الحرب فكما لا يفسد النكاح بينهما هناك لا يفسد هاهنا إلا أن يكون مولاها الحربي قد وطئها فحينئذ لا يحل للزوج أن يطأها حتى يستبرئها بحيضة وإن كانت حرة فوطئها الحربي لم يكن لزوجها أن يطأها حتى تعتد بثلاث حيض لأن ما كان من الحربي في معنى الوطء بشبهة فالتأويل الباطل منهم معتبر بالتأويل الصحيح في الحكم وعلى هذا لو وطئها الحربي ثم جاءت بولد فإن جاءت به لأقٌل من سنيتين منذ وطئها الحربي فإن نسب الولد يثبت من الزوج وإن جاءت به لأكثر من سنتين لم يثبت نسب الولد منه لأنها حرمت عليه بوطء الحربي إياها فيجعل بمنزلة ما لو حرمت عليه بأن طلقها تطليقة بائنة ولو كانت المسبية أمة لمسلم ثم دخل مولاها إليهم بأمان فليس له أن يطأها لأنهم ملكوها بالإحراز فيكون هو واطئاً ملك غيره لو فعل ذلك وذلك لا رخصة فيه بحال بخلاف أم الولد والمدبرة فإن زوجها الحربي منه جاز النكاح وإن كان ذلك مكروهاً للمسلم بمنزلة ما لو زوجه أمة أخرى له مسلمة أو كتابية ولو أن حربياً في دار الحرب من المسلمين تزوج أمة من آبائهم فولدت له أولاداً ثم ظهر المسلمون على الذراري فالصغار من أولاده أحرار المسلمون بإسلام أبيهم لأنهم كانوا مملوكين لمولى الأم وقد قتل أو هرب حين ظهر المسلمون على الدار فصاروا محرزين أنفسهم بمنعة المسلمين والمملوك المسلم للحربي إذا أحرز نفسه بمنعة الجيش كان حراً كالمراغم وأما الكبار من أولاده فمرتدون لأنهم وصفوا بالكفر بعد البلوغ وقد كانوا مسلمين بإسلام الأب فصاروا مرتدين أرقاء لمن أحرزهم رجالهم أو نساءهم لأن مع ردتهم لا يتحقق إحراز أنفسهم علي الموالي فلا يعتقون ويجبرون على الإسلام ولا يقتلون لأنه ما وجد منهم الإسلام بعد كمال حالهم بالبلوغ ومن ثبت له حكم الإسلام تبعاُ للأبوين لا يقتل إذا بلغ مرتداً لمعنى الشبهة وأما أمهم فهي فيء لمن أخذها وإن كان في بطنها ولد فهو رقيق معها لأن ما في البطن جزء من أجزائها فيكون رقيقاً تبعاً لها وإن كان مسلماً تبعاً لأبيه ولأنه لا يتحقق منه إحراز نفسه ما دام مخفياً في بطنها ولو كان تزوج حرة منهم والمسألة بحالها فهذا والأول سواء إلا في فصل واحد وهو أن الكبار من أولاده ها هنا أحرار بخلاف الأول لأنهم انفصلوا من حرة فكانوا أحراراً بحريتها ولكنهم مرتدون فمن كان منهم رجلاً فهو لا يصير رقيقاً بالسبي ومن كان منهم امرأة فقد صارت أمة بالسبي وتجبر على الإسلام كما هو الحكم في المرتدات ولا يكون تزوج المسلم إياها أماناً لها لأنه في دار الحرب لو أمنها نصاً لم يصح منه فكذلك بالدلالة وليس للأولاد أن يوالوا أحداً ولا يعقل عنهم بيت المال إن لم يوالوا أحداً لأن لهم عشيرة وهم قوم أبيهم فيعقلون عنهم ويرثونهم ومن كان بهذه الصفة فليس له أن يوالي أحداً‏.‏

ولو كانوا سبوا من دار الإسلام حرة مسلمة أو ذمية ثم زوجوها من هذا الحربي فهذا وما سبق سواء إلا في خصلة واحدة لا تكون هي ولا ما في بطنها فيئاً لأنها حرة من أهل دارنا فلا تلمك بالسبي والأولى حرة حربية فملكت بالسبي وإن كانت أمة مسلمة أو ذمية مسلمة والمسألة بحالها فأولادها أرقاء ها هنا لا يعتقون بالسبي الصغار والكبار في ذلك سواء لأن حق المسلم المأسور منه قائم فيهم ويمنع ثبوت العتق لهم بطريق المراغمة فقلنا‏:‏ إن وجدهم المأسور منه أخذهم قبل القسمة بغير شيء وإن وجدهم بعد القسمة أخذهم بالقيمة فإن كان المأسور منه ذمياً أجبر على بيعهم بعد ما يأخذهم لأن الصغار منهم مسلمون بإسلام أبيهم والذمي يجبر على بيع العبد المسلم إذا حصل في ملكه والكبار منهم مرتدون وللمرتد حكم الإسلام في هذا الفصل لكونه مجبراً على العود إلى الإسلام‏.‏

ولو كانت الأمة المأسورة من دار الإسلام لم يتزوجها المسلم ولكن مولاها الحربي وطئها فولدت له أولاداً ثم ظهر المسلمون على الدار فهي حرة لا سبيل عليها لأنها مسلمة أو ذمية وقد صارت أم ولد للحربي فإذا سقط حق الحربي عنها كانت حرة‏.‏

وأولادها أحرار بمنزلتها إن كانت مسلمة أو ذمية لأنهم صاروا محرزين أنفسهم بمنعة المسلمين ولهم أن يوالوا من أحبوا لأن أباه لا ولاء له ولا عشيرة بخلاف ما سبق فإن كبروا كفاراً محاربين للمسلمين قلنا‏:‏ إن كانت أمهم مسلمة فهم مرتدون لأنهم كانوا مسلمين تبعاً لها فإذا بلغوا مرتدين أجبروا على الإسلام وكانوا أحراراً وإن كانت أمهم ذمية فهم فيء أجمعون لأنهم كانوا من أهل الذمة تبعاً لها وقد صاروا ناقضين للعهد حين حاربوا المسلمين فإن قال المأسور منه‏:‏ أنا أحق بالأمة لأنها أسرت من يدي وملكي لم يلتفت إلى قوله لأن الحربي كان ملكها حتى لو أسلم عليها كانت له وقد استولدها فلا يبقى للمالك القديم فيها حق الأخذ بحال ألا ترى‏:‏ أن الحربي لو كان أعتقها نفذ عتقه فيها فكذلك إذا استولدها ولو كان مولاها القديم إنما زوجها من الحربي والمسألة بحالها فالأمة وأولادها للمأسور منه ها هنا لأنها إنما ولدت من زوج لا تصير به أو مولد وقيام حق المأسور منه فيها وفي أولادها يمنع ثبوت العتق لهم بطريق المراغمة والإحراز بمنعة المسلمين فلهذا كان له أن يأخذهم قبل القسمة بغير شيء وبعدها بالقيمة ومن كبر من أولادها فكان على دين أبيه فإن كانت هي مسلمة فهي مجبرة على الإسلام لأنه كان مسلماً تبعاً لها فإذا بلغ كافراً كان بمنزلة المرتد وإن كانت ذمية لم يجبر هذا الولد على الإسلام لأنه مولود بين كافرين في دار الحرب ولو كانت المأسورة حرة والمسألة بحالها فهي وأولادها أحرار لا سبيل عليها لأنها حرة من أهل دارنا والأولاد يتبعون الأم في الرق والحرية وقد عرفت الجواب أن الولد يتبع خير الأبوين ديناً في حكم النكاح والذبيحة حتى إذا كان أحدهما من أهل الكتاب كان الولد مثله بمنزلة ما لو كان أحد الأبوين مسلماً كان الولد مسلماً تبعاً له ومن بلغ منهم كافراً فالحكم فيه ما هو الحكم فيما سبق من الفرق بينهما إذا كانت المرأة مسلمة أو ذمية والفرق بين الرجال والنساء في حكم الاسترقاق كما هو الحكم في المرتدين والله الموفق‏.‏